مسلحو سوريا السريان منقسمون بين النظام والأكراد


رابط المقال في موقع صحيفة العرب اللندنية
  • لم يسبق في تاريخ الكنيسة السريانية الأرثوذكسية أن قام أحد رؤسائها بتفقد أحوال مقاتلين على جبهات القتال، فحتى إبان مذابح (سيفو) ضد سريان ومسيحيي السلطنة العثمانية عام 1915 لم يحصل هذا الأمر، لكن يبدو أن الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، وبما حملته من خطر على الوجود السرياني الآشوري والمسيحي عامة في سوريا، غيّرت الكثير من المفاهيم والقناعات الدينية واللاهوتية لدى بعض رجال الدين المسيحيين.
العرب باسل العودات [نُشر في 10/11/2015، العدد: 10093، ص(7)]

مبدأ ابتعاد مسيحيي سوريا عن مسلميها يشكل خطرا يفوق كل المخاطر الأخرى

دمشق- قام بطريرك الكنيسة السريانية (أفرام الثاني كريم) ابن القامشلي، بشكل غير متوقع، وسط الكثير من ردود الفعل المنتقدة منها والمرحبة، بزيارة مفاجئة إلى الخطوط القتالية الأمامية حول بلدة صدد السريانية السورية، حيث ينتشر مقاتلون سريان آشوريون أرمن من الجزيرة السورية، تابعون لـ(سوتورو ـ مكتب الحماية) ومقره القامشلي، وهم يقاتلون إلى جانب مقاتلين سوريين من مختلف الديانات والطوائف السورية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وصلى من أجل نصرتهم.
وكانت هيئات وتنظيمات مسيحية ـ مدنية وكنسية وحزبية ـ أعلنت قبل نحو سنتين عن تشكيل ميليشيات عسكرية في شمال سوريا تحمل اسم سوتورو وهي تعني (الحماية) باللغة السريانية، بهدف الدفاع عن البلدات والمناطق المسيحية في حال تعرضها لأي اعتداء من أي جهة من المتشددين أم النظام، وصار لأول مرة لمسيحيي سوريا ذراع عسكرية أسوة بالقوى والتيارات والقوميات السورية الأخرى التي تمتلك ميليشيات خاصة بها.
لكن ما لا يعرفه غالبية السوريين أن هذه الميليشيات انقسمت إلى اثنتين، بسبب حالة عدم الانسجام بين المسيحيين في المنطقة، فمن قوى وتيارات مؤيدة للنظام السوري وأخرى مؤيدة للمعارضة وثالثة متحالفة مع الأكراد بشكل كامل، ومن بينها تيارات تعتبر أن نضال الداخل هو الأصل وأخرى تعتبر أن نضال الخارج هو الأساس.
الميليشيات المسيحية قامت مع ميليشيات كردية بحرق ونهب قرى مسيحية، وإسلامية عربية
وأوضحت مصادر خاصة من داخل تلك الميليشيات، تحفّظت على ذكر اسمها بسبب حساسية الموضوع، لـ”العرب” وجود فصيلين أو تشكيلين عسكريين باسم السوتورو في منطقة الجزيرة شمال شرق سوريا، الأول يُعرف باسم (مكتب الحماية)، وهو يُعتبر الجناح العسكري لتجمع شباب سوريا الأم المقرب من النظام السوري، ومقاتلي السوتورو وهم أشبه بقوات الدفاع الوطني، تلك الميليشيا غير النظامية التي شكلها النظام لقمع معارضيه، لكنها هنا قوات خاصة بمسيحيي الجزيرة السورية، حيث تضم جنسيات من مختلف القوميات والطوائف المسيحية.
الكثير من مقاتلي هذا التشكيل المسلّح يتقاضون رواتب من الفوج العسكري (154) للجيش السوري المنتشر في محيط القامشلي، ويحصلون على دعم عسكري من النظام، كما ينالون رضى مختلف الكنائس في القامشلي، وأيضا مباركة بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية (مار أغناطيوس أفرام الثاني كريم)، ويُقدّر عدد مقاتليه بنحو 200 مسلح.
أما ميليشيا سوتورو الأخرى، فتعرف بالمجلس العسكري السرياني، وهو الجناح العسكري لحزب الاتحاد السرياني المرتبط عسكريا وسياسيا بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ومنه يتلقى الدعم المادي والعسكري، وهو يُقاتل إلى جانب قوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في كل المعارك من الحسكة إلى الرقة، وقد انضم إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تشكلت حديثا وتقاتل في الرقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ويُقدر عدد مقاتليه بنحو 250 مسلحا بينهم نسبة 10 بالمئة من أبناء العشائر العربية.
غالبية السوريين لا يعرفون أن هذه الميليشيات انقسمت إلى اثنتين، بسبب حالة عدم الانسجام بين المسيحيين في المنطقة
وتؤكد الوقائع أن القوات العسكرية المسيحية المتحالفة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا تتلقى الأوامر من القادة العسكريين لميليشيات هذا الحزب، وهناك اتهامات متزايدة لها بالتعاون مع النظام السوري.
حزب الاتحاد السرياني هو الحزب الآشوري السرياني الوحيد الذي انضم إلى الإدارة الذاتية الكردية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في منطقة الجزيرة بشمال سوريا، وغالبية قوى المعارضة السورية تتهم كلا من حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب الاتحاد السرياني بأنهما ليسا بعيدين عن النظام السوري، ففي بداية الأزمة السورية سحب النظام جميع سلطاته من البلدات والمناطق ذات الغالبية الكردية في الجزيرة وسلمها تسليما إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي أعلنها إدارة ذاتية تخضع له، كما أن هناك تفاهما واتفاقا بين النظام وهذا الحزب الكردي في إدارة واستثمار آبار النفط والغاز في حقول رميلان، وكذلك الإشراف على منشآت ومؤسسات اقتصادية حكومية أخرى في محافظة الحسكة.
يتقاسم حزب الاتحاد الديمقراطي من خلال ما يُعرف بقوات الأسايش أو الشرطة الكردية التابعة له، السلطة في مدينتي القامشلي والحسكة مع سلطات النظام السوري (العسكرية والأمنية والسياسية) المتواجدة بكثافة فيهما، وقد قاتلت قوات حماية الشعب الكردية ومعها قوات السوتورو المجلس العسكري السرياني إلى جانب جيش النظام والدفاع الوطني الموالي له في معارك الحسكة في يونيو الماضي ضد تنظيم الدولة الإسلامية عندما سيطر على الأحياء الجنوبية للمدينة، وهي حاليا تُقاتل ضمن ما يُعرف بقوات سوريا الديمقراطية التي شُكّلت حديثا وتحظى بدعم عسكري من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهي تضم قوات حماية الشعب الكردية وقوات المجلس العسكري السرياني وقوات الصناديد العربية في ريف الحسكة وكذلك في الرقة.

عقبات كثيرة تحول دون تشكيل هيئة مسلحة للدفاع عن المسيحيين

وفق مصادر مسيحية سورية من شمال سوريا (الحسكة/القامشلي) فإن هذه الميليشيات المسيحية قامت مع ميليشيات كردية بحرق ونهب قرى مسيحية وإسلامية عربية، وقد تحدث العديد من الآشوريين من قرى الخابور لـ”العرب” عن أعمال نهب من القرى الآشورية قام بها مسلحو المجلس العسكري السرياني بالتعاون والمشاركة مع مقاتلين من قوات حماية الشعب الكردية، كما نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صورا تُظهر سيارات مقاتلي السوتورو التابع للمجلس العسكري السرياني وهي تحمل أثاثا منزليا من إحدى القرى الآشورية، وكما يؤكد آشوريون على حصول اشتباك مسلح في مدينة القامشلي قبل شهر بين مسلحين من المجلس العسكري السرياني وتسبب بوقوع إصابات خطيرة، جرت بسبب الخلاف على غنائم الحرب، غنائم مسروقة أثناء معارك مدينة الحسكة.
وحتى الشبكات الحقوقية الآشورية اتّهمت مقاتلي المجلس العسكري السرياني بنهب المنازل في قرى الخابور الآشورية التي أحرقها (زملاؤهم) من مقاتلي قوات حماية الشعب الكردية، بعد أن اختطف تنظيم الدولة الإسلامية أهل تلك القرى كأسرى.
هذا الفصيل من السوتورو التابع للمجلس العسكري السرياني، لا يحظى بتأييد شعبي مهم وكبير في الأوساط السريانية الآشورية والمسيحية في الجزيرة السورية، بسبب تبعيته المطلقة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وبسبب عدم شفافيته في علاقته مع الكنائس والأحزاب والمنظمات الآشورية السريانية والمسيحية في الجزيرة.
فحزب الاتحاد السرياني يسعى إلى فرض رؤيته وشروطه على الآشوريين السريان والانفراد بالقرار السرياني الآشوري كما يفعل حزب الاتحاد الديمقراطي في الساحة الكردية، وجدير بالذكر هنا أن الأحزاب والمنظمات والكنائس والتجمعات الآشورية السريانية الأرمنية في الجزيرة كانت قد أصدرت بيانا للرأي العام أدانت فيه واستنكرت القوانين الصادرة عن الإدارة الكردية وخاصة قانون التجنيد الإلزامي للشباب المسيحيين في القوات الكردية وقانون فرض المنهاج الكردي في المدارس الخاصة وقانون مصادرة ممتلكات المغتربين، وفقط وحده حزب الاتحاد السرياني رفض التوقيع على هذا البيان.
ابتعاد آشوريو سوريا عن عربها فيه من الخطر ما يفوق كل المخاطر الأخرى، ورهانهم على الأكراد رهان خاسر
وثمة مخاوف حقيقية لدى الكثير من مسيحيي شمال سوريا عموما ولدى الآشوريين (سريان/كلدان) خصوصا من زجّ وتوريط المسيحيين بالجزيرة في نزاع عرقي محتمل تفجّره بين الأكراد والعرب، وفي هذه الحالة غالبا سيُقاتل مسلحو المجلس العسكري السرياني إلى جانب القوات الكردية، فيما مسلحو سوتورو (مكتب الحماية) التابع لتجمع شباب سوريا الأم سيقاتلون إلى جانب قوات العشائر العربية.
وبالإضافة إلى هذين التشكيلين العسكريين المسيحيين، يوجد في الحسكة وريفها الآشوري فصيلان مسلحان آشوريان، واحد باسم (قوات حرس الخابور)، وهذا الفصيل مُقرّب من المجلس العسكري السرياني، وفصيل آخر باسم (مجلس حرس الخابور) تابع للحزب الآشوري الديمقراطي، وتعداد كل فصيل هو بضع عشرات من المقاتلين.
ومن دون أن نقلل من أهمية تشكيل هيئة مسيحية مسلحةـ للدفاع عن المسيحيين في سوريا، فإن عقبات كثيرة تعترض نجاح هذه التجربة المتأخرة، خاصة أن عدد مقاتليها سيكون قليلا جدا وستكون نقطة في بحر يضم ما يقرب من ربع مليون مسلّح للمعارضة السورية والنظام والتنظيمات المتشددة الإرهابية والميليشيات الكردية، وعليه فإن تأثيرها سيكون شبه معدوم.
ويرى الكثيرون أن ابتعاد آشوريو سوريا عن عربها فيه من الخطر ما يفوق كل المخاطر الأخرى، ورهانهم على الأكراد رهان خاسر، كما أن رهانهم على النظام أمر فاشل بالتجربة والبرهان، ومن التهور الوثوق بنظام عانت منه جميع أديان وقوميات سوريا.
باسل العودات

0 comments: