بعد الانسحاب من لبنان: ماذا لو قرر الرئيس...؟



بعد الانسحاب من لبنان: ماذا لو قرر الرئيس...؟
الأربعاء - 04 مايو 2005م

سليمان يوسف يوسف


رابط المقال في موقع قناة العربية Alarabiya
بعد ثلاثة عقود من دخوله لبنان، أنهى الجيش السوري يوم الاثنين25-4-2005 انسحابه الكامل من جميع الأراضي اللبنانية، أي قبل الموعد الذي حددته القيادة السورية لهذا الانسحاب. وبهذا تكون سوريا قد التزمت بتنفيذ ما يترتب عليها بالنسبة الى قرار مجلس الأمن 1559، ويكون الرئيس بشار الأسد، قد وفى بما قاله في الخامس من آذار الماضي تحت قبة البرلمان السوري امام أعضاء مجلس الشعب، الذين صفقوا بحرارة وحماسة شديدتين لقرار الانسحاب، الذي برره الرئيس ودافع عنه بالقول: اننا نعلن انسحابنا من لبنان بعد أن أنهى الجيش السوري مهمته بنجاح في وقف الحرب الأهلية اللبنانية واستتباب الأمن في البلد الشقيق لبنان وتحقيق المصالحة الوطنية بين اللبنانيين عبر اتفاق الطائف.

وأنا على يقين تام، بأنهم (أعضاء مجلس الشعب) كانوا سيصفقون بذات الحرارة والحماسة، لو قال الرئيس بشار الأسد: لا لن نسحب جيشنا من لبنان، تحت الضغوط الأميركية والدولية، لأن في ذلك،خدمة لإسرائيل، و مهانة وطنية وقومية وانتقاص للسيادة اللبنانية والسورية معاً.
ماذا لو أننا نرى الرئيس بشار الأسد وهو يفتتح المؤتمر القطري العاشر لـ"حزب البعث العربي الاشتراكي" في حزيران المقبل، بصفته الأمين العام القطري، وهو يقول: هذا آخر مؤتمر قطري بتاريخ حزب البعث، كحزب حاكم في سوريا، وذلك استجابة للضغوط الداخلية، ونزولاً عند مطالب قوى المعارضة الوطنية بأطيافها ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان السوري، واستكمالاً لعملية الإصلاح والتحديث والتحول الديموقراطي، التي أعلنا عنها في خطاب القسم في 20-7-2000 ، وتمشياً مع التحولات والتطورات السياسية والثقافية والاجتماعية التي حصلت في المجتمع السوري منذ انقلاب البعث على السلطة عام 1963.
ويضيف السيد الرئيس: والآن حان الوقت لينسحب حزب البعث من الحياة السياسية السورية، كحزب حاكم، بعد أن أدى دوره الوطني ونجح، بعد أربعة عقود من الحكم المطلق، في تثبيت أركان الدولة وترسيخ الاستقرار السياسي في سوريا، تاركاً المجال والحرية للشعب السوري ليختار، وبشكل ديموقراطي حر، شكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يرغب به.
أنا على يقين تام بأن جميع أعضاء المؤتمر - وإن كانت الأكثرية غير راغبة بذلك - سيصفقون بحرارة وحماسة شديدتين لكلام الرئيس بشار الأسد، ويتكرر المشهد ذاته الذي استمتع المواطن السوري بمشاهدته تحت قبة البرلمان في الخامس من آذار الماضي، وإن اختلف الموضوع والخلفية. ذلك أن معظم أعضاء مؤتمر حزب البعث هم نسخة عن اعضاء مجلس الشعب، وهم خريجو المدرسة الحزبية والسياسية نفسها وحاملو الايديولوجيا نفسها، وبالتالي هم بدون مواقف ورؤى سياسية ولا دور لهم في رسم سياسية البلاد أو في اتخاذ القرارات المصيرية.
ثم، وبعد انتهاء أعمال المؤتمر القطري لحزب البعث، يذهب الرئيس بشار الأسد، الى مجلس الشعب، حاملاً دستوراً جديداً للبلاد، ملغياً كلاً من المادة الثالثة، الخاصة بدين رئيس الدولة، والمادة الثامنة، التي تنص على أن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع، وكل المواد والنصوص والقوانين السورية، التي تميز بين المواطنين على أساس الانتماء الديني أو القومي أو السياسي، دستوراً وطنياً يعطي الحق والفرصة، لكل مواطن سوري، عربياً كان أم آشورياً ، كردياً أم أرمنياً، مسلماً كان أم مسيحياً، دون تمييز أو تفضيل بينهم، لأن يترشح لمنصب الرئاسة وينتخب عبر صناديق الاقتراع وليس الاستفتاء، والانتقال بسوريا من مرحلة الشرعية الثورية الى الشرعية الديموقراطية. ويلغي قوانين الطوارئ والأحكام العرفية وكل ما يرتبط بها، من محاكم وأحكام استثنائية ، ويطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ويدعو جميع المنفيين للعودة الى وطنهم سوريا، دستوراً جديداً يؤسس لدولة حديثة، تقوم على عقد اجتماعي وسياسي وطني جديد، يجسد مفهوم الدولة الوطنية وحقوق المواطنة، دولة يعمل الجميع فيها شركاء تحت سقف الوطن، ويخافون عليها لا يخافون منها... وأنا على يقين تام بان يتكرر المشهد ذاته سيتكرر للمرة الثالثة، ويلقى مشروع الرئيس تصفيقاً حاراً من قبل جميع أعضاء مجلس الشعب ذاته.
إنها فرصة تاريخية للرئيس بشار الأسد، لأن يدخل التاريخ من جديد ومن بوابته المفتوحة له، بوابة الديموقراطية، لكي يمرر جميع مراسيم الإصلاح وقوانينه التي يرغب بها، ومن دون شك يمتلك من الأجهزة والقوة والسلطة على تنفيذها، إذ أنه رئيس دولة، كانت يوماً واحة للديموقراطية الليبرالية وبرجاً للأحزاب السياسية، و شعبها اليوم، متعطش لتلك الحرية والديموقراطية، كما أنه( السيد الرئيس) أمام مجلس شعب، مطيع، لم يتعلم، أو لم يجرب أو يجرؤ ، يوماً ولو لمرة واحدة،أن يقول لا أو يرفض أو يعترض على قرار أو مرسوم أو مشروع رئاسي، إذ وظيفته كانت ،منذ دورته الأولى عام 1973التي بدأت مع عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وحتى اليوم، فقط القول نعم والتصفيق بحرارة وحماسة عندما يتحدث الرئيس، حتى قبل ان يسمع ما سيقوله.
أقول هذا، وعذراً من السيد الرئيس بشار الأسد، لأنني أخشى، وأعتقد بأنه يخشى معي الكثير من السوريين، أن تنتهي دورة هذا المجلس بعد سنتين، ويأتي مجلس جديد غير مطيع، وغير متعلم على التصفيق، مجلس شعب جديد يأتي، في غير الظروف السياسية المحلية والأوضاع الإقليمية والدولية التي أتت بالمجلس الحالي، عندها ستضيع الفرصة التاريخية على الرئيس وعلى مشروعه الإصلاحي الديموقراطي، وفرصة انقاذ الوطن من المنزلق الخطير الذي قادته اليه السياسات القديمة لقيادته السياسية والحزبية في الماضي. فإذا كان قرار الانسحاب من لبنان قد حقق المصالحة بين القيادة السورية والمجتمع اللبناني والدولي، فانه يبقى المهم والأهم هو أن تتحقق المصالحة مع المجتمع السوري.

* نقلا عن جريدة "النهار" اللبنانية

0 comments: