هل من رغبة اسلامية ببقاء المسيحية في المشرق؟؟



الاسلام و المسيحية
الإسلام و المسيحية في المشرق


سؤال، يشغل المهتمين بمستقبل "الديانة المسيحية" في هذه المنطقة التي فيها ظهرت ومنها انتشرت في مختلف أنحاء العالم.  تساؤل مشروع ومنطقي، بات يفرض نفسه، بعد أن انحسر الوجود المسيحي وتقلص في المشرق الى مستويات تبعث على القلق والخوف على بقاء المسيحية المشرقية في أوطانها الأم .  طبعاً، مجرد طرح قضية مسيحيي المشرق من هذه الزاوية يعني ثمة شكوك بالمسلمين وبرغبتهم في بقاء واستمرار المسيحيين بينهم. شكوكنا هذه  تستند الى قاعدة "اللامساواة الدينية" التي جاء بها الاسلام والسائدة في جميع الدول والمجتمعات التي تدين بالاسلام وتعتبر الشريعة الاسلامية مصدر اساسي للتشريع فيها. كيف يمكن الحديث عن رغبة اسلامية ببقاء المسيحية في المشرق، و "الراي العام الاسلامي" ينظر الى المسيحي على أنه كافر و "مشرك بالله"، غير مرحب به. قد يرد البعض على تساؤلنا المشروع هذا، بسؤال موازٍ: هل من رغبة مسيحية حقيقية وجدية بالبقاء في المشرق والعيش مع المسلمين؟؟. اكاد أجزم بأن ، في الظروف العادية الآمنة ، غالبية مسيحيي المشرق، تفضل البقاء والعيش في كنف أوطانهم التاريخية ومهد ديانتهم مع أبناء عمومتهم المسلمين في اطار الشراكة الوطنية الحقيقية وعلى قاعدة المساواة التامة بحقوق وواجبات المواطنة الكاملة. لكن هذه الرغبة المسيحية تصطدم بـ"جدار الرفض الاسلامي" لمساواة المسيحي بالمسلم. هذه القاعدة الاسلامية العنصرية تشكل البيئة الاجتماعية والثقافية والاطار القانوني للانتقاص من حقوق المسيحيين وغير المسلمين عموماً. بسبب هذا الانحياز الفاضح للمسلم والانتقاص من حقوق المسيحيين، انحسر الوجود المسيحي في المشرق وتقلص في بعض الدول المشرقية الى مستويات تبعث على القلق والخوف على المسيحية المشرقية، بعد أن كانت تشكل مركز الثقل المسيحي في المشرق (فلسطين ،تركيا ،العراق). لا ننفي وجود رغبة لدى الكثير من المسلمين ببقاء المسيحيين بينهم في هذه المنطقة. لكن هذه الرغبة الاسلامية هي دوماً مشروطة بأن يتنازل المسيحي عن كثير من حقوقه في المواطنة. أي أن يقبل بمواطنة من الدرجة الثانية أو الثالثة والعيش على هامش المجتمع الاسلامي "ذمياً" على صعيد الحقوق الدينية والمدنية.
يتطلع "مسيحيو المشرق" الى دول و مجتمعات مدنية علمانية ليبرالية يسودها العدل والحق والمساواة  . فالدولة المدنية هي الضمانة الوحيدة لبقائهم واستمرارهم في أوطانهم. لكن مثل هذه الدولة مازالت غائبة وثمة فاصل حضاري وتاريخي طويل يفصل الشعوب الاسلامية عن الدولة المدنية. لهذا، تبدو فرصة بقاء مسيحيي المشرق واستمرارهم في أوطانهم ضعيفة جداً وربما معدومة، إذا ما بقيت أوضاعهم على ما هي عليه، (حرمان واضطهاد وتهميش)، رسمي وشعبي. إثارتنا لقضية الوجود المسيحي المشرقي، هو لدق "ناقوس الخطر" على بقاء ووجود المسيحية في هذه المنطقة، ولفت أنظار العالم لمخاطر اندثارها وتلاشيها من هذا المشرق الذي فيه ظهرت ومنه انتشرت الى مختلف ارجاء العالم، ولحث جميع المعنيين بهذه القضية الحساسة، من المسلمين والمسيحيين في الغرب والشرق ،على التحرك والعمل سريعاً قبل فوات الأوان من أجل  الحفاظ على ما تبقى من مسيحيين في المنطقة ..
اندثار المسيحية وتلاشيها من المشرق، يعني بالضرورة نهاية شعوب مشرقية قديمة وأصيلة، تركت بصماتها على مجمل الحضارة الانسانية، مثل الآشوريين (سريان- كلدان) أصحاب أقدم حضارة في بلاد ما بين النهرين ، والأقباط المصريين، أحفاد الفراعنة، فضلاً عن أن المسيحيين العرب ومسيحيي المشرق عموماً لعبوا في العصور الحديث دوراً ريادياً ومهماً  في حياة المنطقة وشعوبها على صعيد التنوير الفكري والثقافي والازدهار الاقتصادي. ثم أن تلاشي المسيحية من هذه المنطقة يعني فقدان وخسارة العرب والمسلمين لأحد أهم عناصر وروافد ثقافتهم و حضارتهم .
أخيراً: الحكومات الاسلامية ،عربية وغير عربية، إن ارادت حقاً بقاء المسيحية في المشرق الى جانب الاسلام ، عليها القيام بمبادرات عملية ووضع خطط وبرامج مستقبلية وانتهاج سياسة " التمييز الإجابي" من شأنها تعزيز الوجود المسيحي  المشرقي وازدهاره ، مثل:
- تشكيل وزارة خاصة في كل دولة اسلامية ، تعنى بشؤون مواطنيها المسيحيين . تتتبع مشكلاتهم وقضاياهم واتخاذ اجراءات عقابية وقانونية رادعة بحق كل من يتعدى على حقوق ومصالح المواطنين المسيحيين ويستهدفهم بسبب دينهم.
-  تمثيل المسيحيين في مختلف السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية وفي مختلف مؤسسات الدولة ( بغض النظر عن تعدادهم)،  ومنحهم وزارات أساسية ومناصب ومواقع مهم في  الدولة، لتطمينهم على مستقبلهم ولتعزيز دورهم ومشاركتهم في ادارة البلاد.
- اعادة الاعتبار الى ثقافة الشعوب المسيحية غير العربية، مثل الأقباط والآشوريين(سريان/كلدان) والأرمن، وتعزيز هويتها كجزء أساسي من الهوية الوطنية ومنحها حقوقاً ثقافية وتنمية مناطقها ، باعتبار أن هذه الشعوب المسيحية هو اقوام أصيلة متجذرة في المنطقة وتعيش على ارضها ومواطنها التاريخية منذ آلاف السنين.. كما فعلت بعض الدول لأقوامها الأصيلة ، مثل كندا واستراليا، حيث منحتها بعض الامتيازات، الاقتصادية والثقافية والسياسية، لأجل الحفاظ عليها وتجنيبها خطر التلاشي والاندثار .
سليمان يوسف  ..

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات

0 comments: